إنَّ سَعْيَكم لشتَّى…!
مهند المعتبي
الأحد فبراير 10, 2013مَرَّ بعضُ الزُّهَّادِ برجُلٍ قد اجتمعَ عليه النَّاسُ، فقال: ما هذا؟ قالوا: مِسكينٌ، سَرَقَ منه رَجُلٌ جُبَّةً.
وَمَرَّ به آخَرُ فَأَعْطَاهُ جُبَّةً، فقال: صَدَقَ اللَّهُ: {إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}. ذكر هذا الماورديُّ في (أدب الدنيا والدين)
لو نظرتَ – على سبيل المثال- في أحوال الناس في المطارات؛ لرأيتَ (سعيًا شتّى)، فكلٌّ يحملُ حقيبةَ سفر، لكنَّ المقاصدَ متفرِّقةٌ، فهذا مسافرٌ لأداء العمرةِ، وهذا في رحلةِ علاجٍ طبي، وذاك لتجارةٍ يخشى كسادَها، ورابعٌ للنزهة والسياحة، وخامسٌ للدراسة، وسادسٌ للتقديم على وظيفة، وسابعٌ لزيارة أقاربه، وثامنٌ لحضور بطولةٍ رياضيَّة، وتاسعٌ بلا هدفٍ فاضل، وعاشرٌ لهدفٍ سافلٍ!
تعدَّدَت الأغراض، وتنوَّعت المقاصد، واختلفت الغاياتُ، وكلُّهم مسافرٌ!
وصَدَقَ اللَّهُ: (إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى). لو تأمَّلتَ هذهِ الآيةَ الفذَّةَ التي بلغت الغايةَ إيجازًا وصِدْقًا؛ لرأيتَ كيفَ أنَّها في غايةِ المناسبةِ حينما وقعت جوابًا لأقسامٍ ثلاثةٍ أقسمَ بها ربُّ العِزَّةِ في مطلع سورةِ الليل.
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) .
فقدَ أقسمَ بالليلِ والنهارِ وهما في غايةِ التضادِّ، فالأوَّل أسودُ معتمٌ، والثاني أبيضُ مضيءٌ، وليسُ الليلُ كالنهار!
ثُمَّ أقسمِ بنفسهِ خالقِ الذَّكرِ والأنثى، وهما كذلك متضادَّان، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى)!
ثمَّ جاءَ جوابُ القسمِ مجلِّيًا لهذهِ الحقيقةِ، وهي الاختلافُ الكثيرُ، والتضادُّ الكبير في أعمال النَّاس وسعيهم (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).. و(شَتَّى) جمعُ شتيتٍ، كـ (مرضى) جمعُ مريضٍ.
والسعيُ هنا مطلقُ العمل لا سعي الأقدام، وما يزالَ النَّاسُ مذ خلقهم ربُّهم وهم على غيرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ، فابنا آدمَ – عليه السلام – يقولُ قابيلُ لهابيلَ: (لَأَقْتُلَنَّكَ)، ويرُدُّ هابيلُ: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، وكان سعيُهما شتَّى!
وما اختلافُ سعي الأعمالِ إلا لاختلافِ ما تنطوي عليه القلوبُ، فالقلبُ يأمرُ، والجوارحُ تُنَفِّذُ، فاختلفتْ أعمالُ الناس لاختلافِ قلوبهم وما انطوت عليه، و(مَا جَعَلَ اللهُ لرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وما جعلَ لرجلين قلبًا واحدًا!
ومِنَ العجيبِ أنَّ اختلافَ السعْيِ ليسَ محصورًا في اختلاف مساعي الناس فيما بينهم، بل منه اختلافُ حالِ المرء في نفسهِ وتشتُّتِ سعيه مع مرورِ الأيَّامِ، وتصرُّمِ الأعوام!
وفي هذه الآية من الإشاراتِ: أنَّ الإنسانَ عندَ اللهِ بسعيهِ، وأنَّ من سعى في خيرٍ يُسِّرَ لليُسرَى، ومن سعى في غير ذلك يُسِّرَ للعُسرى، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)!
وفيها؛ أنَّ أصلَ الفلاحِ وأساسَه صلاحُ القلبِ وإعمارُه، فما سَعْيُ الإنسانِ إلاَّ بأمرِ قلبِه النافذِ.
وفيها؛ أنَّ أحوالَ النَّاسِ في الخلوةِ مختلفةٌ كأحوالهم في الجلوة، وهي في الخلَواتِ أكثرُ اختلافًا، وأعظمُ تباينًا، فقد يتفقُ في ساعةٍ رجلانِ، وبينهما حجابٌ، وكلاهما في عُزلةٍ من الناسِ، ولا يدري أحدٌ عن صاحبهِ، فهذا فرحٌ بخلوته، مستلِذٌّ بمناجاة الله، مسرورٌ بما يقيمُ عليه، قد نالَ رضى الله، وذاك فرحٌ بخلوتِه، مستلِذٌّ بمعصيةِ الله، مسرورٌ بما يُقيم عليه!
وصدقَ اللهُ: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)!
25/ 5/ 2013
هل قرأتَ هذه؟
عشرة أسبابٍ جعلتني أُدمِنُ القهوةَ الباردةَ، فقد أنقذتني من مآزق!
ثم إنني لطالما كنتُ أسخرُ من ابنتي رِناد وهي تُحضِّرُ كوبها (البارد!) لتقرأَ الروايةَ اليابانيَّة (قبلَ أن تبرُدَ القهوة) لـ (توشيكازو كواغوشي) يا لَصُعوبةِ الاسم! فأقول لها: كيف تبرد قهوتك وهي أصلاً باردة؟! 😊 أرجوك لا تسألني عن الروايةِ....